العمل من حيث كونه
أداء وظيفة؛ هو السبب وراء خلق المخلوقات كلها مهما بلغت من الرفعة أو الانحطاط،
من الصغر أو الكبر، وأيا كان نوعها، فلا مخلوق إلا وله في هذه الحياة وظيفة يقوم
بها؛ لكونه ذا عقل وتفرضها عليه الحياة أو لأن الشارع ألزمه بها ويرجو عليها جزاء
ويخاف إن تركها عقابا، أو قائم بها لأنه خلق أصلا قائما بها ومؤديا لها بمجرد
وجوده كالجبال مثلا. وخلاف القول بحتمية وجود وظيفة للمخلوقات يقتضي عبثية الخلق
التي يتقدس الله عنها ويتنزه.
وذاك العمل يتنوع
بحسب تنوع فاعله فالإنسان مثلا له مهمة عبادة الله وإعمار الأرض وهو جزء من تلك
العبادة، وللحيوانات وظائفها فالخيل والبغال والحمير خلقت وسيلة للإنسان صاحب مركز
الكون وزينة له، والجبال الرواسي وضعت في الأرض أن تميد، والنباتات غذاء
للحيوانات، وللحشرات وظائفها ومن أين الشَّهد لولا النحل؟! والتمثيل لوظائف كل
المخلوقات متعذر لتعذر حصر المخلوقات أولا ولعدم معرفتنا لمجموع وظائفها ثانيا.
وإن كانت المخلوقات ذات المكانة الهامشية في
هذا الكون لها وظيفة وتقوم بها فَأَنَّى لصاحب المِحْور فيه الذي قيل له: (هو الذي
جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها)
أن يكون عاطلا "كواسا" كَلُّ على غيره يرزقه ويكسوه خاصة إذا كان
شابا قوي البنية، مكتنز العضلات، نشيطا حاد الذهن تتلاءم قدرته الذهنية على
التفكير مع قدرته العضلية على التنفيذ، أبواب الحياة مشرعة أمامه وقلم كتابة
المستقبل بيده ليكتب مستقبله.
ما هكذا ينبغي أن يكون من أعطي الأمانة وكلِّف
بحملها، وما هكذا يكون من عليه عبء نفسه وعبء أهله الضعاف وعبء أمته المنكوبة؛ هل
لّا كان مِشْعَلا متقدا مناضلا مكافحا كادحا كادا مصطدما بالحياة لا يعرف الملل
ولا السآمة،مديما البحث عن العمل مدمنا لقرع أبوابه حتى يلج ومدمن القرع حري أن
يلج.
إن الزمان الذي فيه استقبح
الكوس ونادى بأعلى الصوت أن لست زمان كوس ولا زمان جلوس في "لمبارات" مع
النساء ولا زمان شرب الشاي مع هذه وأخذ نبأ طارئ من هذه ونشر نبأ في هذه المجموعة
أو تلك، بل أنا زمان أرفع العاملين وأرفع أممهم ومجتمعاتهم أيا كان عملهم، وأطمر
النائمينالكاسلين "الكواسين" بغض النظر عن من هم، وأطمر معهم مجتمعهم
وأممهم! فسمعه كل ذي سمع فارتفع ورفع، وصم عنه كل كسلان "كواس"فوقع في
الحضيض وأوقع، بئس الواقع وبئس ما فيه وقع.
واستقباح
الكوس أقدم من زماننا فقد اسقبحت عبقرية عمر بن الخطاب الكوس فقال: "إني لأرى
الرجل فيعجبني فأسأل أله مهنة؟ فإن قيل لا، سقط من عيني" ولا أظن عمر وهو
الملهَم المحدَّث إلا قاصدا "كواسة" زماننا فهم رغم فقرهم دائما في أبهى
حلة وأحسن هيئة ويدخنون أغلى السجائر وينظمون أحسن الرحلات، أما القرآن وبه نختم فلم
يفسح المجال للكوس وقال: "فإذا فرغت فانصب" صدق الله العظيم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق