مشاركة مميزة

ورقة مختصرة عن القرية

الخميس، 28 أبريل 2016

ورقة عن ديوان الأديب عبد الودود ولد بيّ


لا يخفى ما للشعر من دور كبير في توجيه المجتمع إلى القيم العليا وحثه على مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم من شجاعة وكرم وصدق ووفاء وبر وعفاف ... ولولا خلال سنها الشعر ما درى ...بُغاة العلا من أين تؤتى المكارم ولذلك قال صلى الله عليه وسلم :" إن من الشعر حكمة" والحكمة – كما يقول ابن دريد- هي: "كل كلمة وعظَتك أو زجرَتك أو دعَتك إلى مكرُمة أو نهتك عن قبيح" .
وما ورد في الشعر من الذم كقوله صلى الله عليه وسلم: "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريَه خير له من أن يمتلئ شعرا" المراد به الشعر الذي فيه الباطل والهُجر من القول، أما المباح منه فلا يذم في تعاطيه إلا التجرد له أو اتخاذه حرفة يتكسب به . ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم - وهو القدوة المثلى والأسوة الحسنة- يستمعه ويجيز عليه بل ويستنشده أحيانا . ولم يزل أهل الفضل يتعاطونه إنشاء وإنشادا ويحضون على حفظه والاهتمام به، فقد قال الشعر كثير من الخلفاء الراشدين وجلة من الصحابة والتابعين وحملة العلم المشهورين ، ولعل من نافلة القول أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له شعراء معروفون . وقد كانت أمنا عائشة رضي الله عنها تحفظ من شعر لبيد بن ربيعة وحده اثني عشر ألف بيت كما أشار له العالم السِّيَري الكبير أحمد البدوي بقوله: منه لبيد بن ربيعة الأبـي ... فاز بصحبة وحسن أدب روت له من الألوف اثني عشر...عائشة وكل شعره درر. وروي عنها رضي الله عنها قولها: "رَوُّوا أولادكم الشعر تَعذُبْ ألسنتهم" . وكتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما يقول: "مُرْ مَن قِبَلك بتعلم الشعر فإنه يدل على معالي الأخلاق وصواب الرأي ومعرفة الأنساب" . وروي عنه أيضا - رضي الله عنه- أنه قال: "خير صناعات العرب أبيات يقدمها الرجل بين يدي حاجته، يستميل بها الكريم، ويستعطف بها اللئيم" . وقيل لسيد التابعين سعيد بن المسيب: إن قوما بالعراق يكرهون الشعر، فقال: نسكوا نسكا أعجميا . وما روي من إنشادهم الشعر وتمثلهم به في مختلِف المواقف كثير شهير؛ فمن ذلك تمثل أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الأنصار قول الغنوي: جزى الله عنّا جعفرا حين أزلقت ... بنا نعلنا في الواطئين فزلت أبوا أن يملّونا ولو أنّ أمّنا ... تلاقي الذي لا قوه منّا لملّت ومنه ما حكي عن معاوية رضي الله عنه أنه همّ يوم صفين بالهزيمة، فما منعه إلا قول ابن الإطنابة: أبت لي عفتي وأبى بلائي ...وأخذي الحمد بالثمن الربيح وإكراهي على المكروه نفسي ... وضربي هامة البطل المشيح وقولي كلما جشأت وجاشت...مكانك تحمدي أو تستريحي . وأما تعاطي العلماء للشعر حتى في أرق وأعذب غزله فأكثر من أن يحصر وأشهر من أن يدلل عليه ومن ذلك قول عروة بن أذينة أحد فقهاء التابعين ومحدثيهم: إن التي زعمت فؤادك ملها ... خلقت هواك كما خلقت هوى لها بيضاء باكرها النعيم فصاغها ... بلباقة فأدقها وأجلها حَجبت تحيتها فقلت لصاحبي ... ما كان أكثرها لنا وأقلها فدنا وقال: لعلها معذورة ... من أجل رقبتها فقلت: لعلها وإذا وجدتُ لها وساوس سلوة ... شفع الضمير إلى الفؤاد فسلها . ومنه قول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أحد فقهاء المدينة السبعة: كتمت الهوى حتى أضرَّ بك الكتم ... ولامك أقوام ولومهم ظلم ونم عليك الكاشحون وقبلهم ... عليك الهوى قد نم لو نفع النم وزادك إغراء بها طول بخلها ... عليك وأبلى لحم أعظمك الهم فأصبحت كالنهدي إذ مات حسرة ... على إثر هند أو كمن سقي السم ألا من لنفس لا تموت فينقضي ... شقاها ولا تحيا حياة لها طعم تجنبت إتيان الحبيب تأثما ... ألا إن هجران الحبيب هو الإثم فذق هجرها قد كنت تزعُم أنه ... رشاد ألا يا ربما كذب الزعم وقد أشار الشمقمقي في قصديده المشهورة إلى كثير من فوائده ، ومن ذلك قوله: والشعر للمجد نجاد سيفه ... وللعلا كالعقد فوق العنق .. كم حاجة يسرها وكم قضى ... بفك عان وأسير موثق .. وكم حديث جاءنا عن فضله ...عن سيد عن الهوى لم ينطق وقد تمثل به وكان من...أصحابه يسمعه في الحلق .. ما هو إلا كالكتابة وما ... فضلهما إلا كشمس الأفق وإنما نُزه عنهما النبي ... ليدرك الإعجاز بالتحقق . والشعر الحساني في ذلك كله مثل الفصيح ، فله نفس المكانة والدور في مجتمعنا، وربما يزيد على الفصيح بوصوله إلى كافة أطياف المجتمع فالجميع يفهمه ويطرب لسماعه ، ويتأثر بتوجيهاته، فرب "طلعة" أو "كاف" في الحث على مكارم الأخلاق يستحضره اﻹنسان فيكون باعثا له على معالي الأمور أو رادعا له عن سفاسفها، فيبذل ماله للمحتاج وهو يستحضر قول "لمغنِّ": الشيطانْ اِلَى ڭَالَّـكْ ... لا تعطِ ذِ خَديعَ اَعْـط مزالْ الْـمَال لَّـكْ... وُالْـمالْ اَفْطنْ وَدِيعَ ويترفع عن فعل ما يشينه وهو يستحضر قول اﻵخر: لا تسْتَهْوَنْ شِ شَيْـنْ اعْلِيكْ ... افْطَنْ لَخْـيَارْ اَلاَّ ترْتَـدْ.. او قول اﻵخر يَعْرَفْ عنْ ذَ مزالْ إِفُوتْ ... وُاتْعُودْ اَوْلاَدْ آدمْ تحْكِيهْ اُيَعْرَفْ عَن فَرْظْ اعْلِيهْ إِمُوتْ... وُالرّڭَّ ماهِ فَرْظْ اعْلِيهْ وربما تريث في أمر ينوي أن يقدم عليه حتى يقلب النظر في مختلف جوانبه امتثالا لقول القائل: لَمْرْ اِلَى نَابَكْ شَفْرِي فِيهْ ... اُوُزْنُ بِالْمِزَانْ الشَّرْعِ وِلَى بَاحْ أُعتْ امَّواسِيهِ ... اَرْعَ سَمْعَكْ سَمْعَكْ مرْعِ أُعَاڭـبْ ذاكْ اَلَّ خَرّصْ فِيهْ ... جانِبَ الضُّرِّ وَالنَّفْعِ وربما استحضر أهمية الوطن فازداد تعلقه بوطنه وحرصه عليه مترنما بقول الشاعر: الوطنْ حدّْ اتْأَمّْلُ ... هو لمّْ افْحَيَاتُ الاَ ڭـطْ اجْبَرْ حدّْ امّْ لُ ...وُامْشَ يرظَعْ جدَّاتُ ومع حمل "الشعر الحساني" لهذه الثقافة ودوره الكبير في تهذيب الطبع وإصلاح المجتمع فقد كان -ولا يزال- عنصرا مهما من عناصر "الفتوة" ومكملا من مكملاتها، وقد تعاطى نخبة المجتمع من علماء وأمراء وغيرهم قرضه في مختلف أغراضه ؛ فمن ذلك قول العالم الأديب امحمد بن أحمد يوره - وهو ممن بلغ فيه الغاية- : يالعڭًل انتزلـــــــولك دارين... معـدن للغيوان الثنتين وحدَ شركً افڭـطع اعليبين... اُوحدَ سـاحل منهَ واحل يللالي مثقل غيـــــــوانين ... واحد شرڭ اُواحد ساحل ويقول الأمير أحمد ول الديد يبكي الأطلال: فات اعلي ذا العام تام... مان عارف من واكل فم أڭــــــلال ؤفم تامـ...ـرزڭيت ؤفـــم انواكل ويقول الأمير سيد أحمد ولد عيده : حامد لَله الِّي ابْعادْ ... اندر اُزين اديارُ وافرقْ لمحارْ اُعادْ زادْ... يورَ منبَ باحْجارُ وغيرهم كثير. وانطلاقا من كل ما سبق فقد قمت بإصدار ديوان شعر حساني تحريت الرصانة والفائدة في اختيار ما أوردته فيه . وقدمت له بمقدمة تعليمية تناولت أهم بحور الشعر الحساني المستعملة بتبيين أوزانها والتمثيل لها مع ذكر أهم محسناته وعيوبه وبعض مصطلحاته العامة . دون الخوض في الأمور التي كثرت الكتابات حولها أخيرا ولا تزال محل أخذ وردٍّ من مقارنته بالفصيح وعلاقته بالموشحات وما يجري مجرى ذلك. ثم سردت نصوص الديوان مقسمة على العناوين التالية: التوجيه والتوسل الغزل والنسيب لكطاعات اتماري المراثي أدب الفيس بوك .
بقلم : عبد الودود ولد بي 

الفرات قريتي*

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق