محمد بيّ |
في وقتٍ احتاج فيه الشباب أن
يبذلوا الجهد، ويديموا العمل بجد وكد، ويقتحموا تلاطم الأمواج، ويستسيغوا الأجاج،
ويلجُّوا في الطَّرق، حتي يلجُوا الطُّرق، ويجعلوا مكان اليأس الأمل، والكسل
العمل، صرت تجد بعضهم، للأسف، ومن الشباب، وبحجة كثرة الفتن وتأخر الزمان، وقتامة
الواقع وغموض المستقبل؛ يتخلى عن هموم أمته ، ويجعلها علي عاتق مهدي منتظر عند
بعضهم فيه نظر.
يتحججون بالفتن، وأنها علامة آخر الزمان، لم لا تقتحموها حتي تنفرج؟
يتحججون بالفتن، وأنها علامة آخر الزمان، لم لا تقتحموها حتي تنفرج؟
يقولون لا يمكن اقتحامها، فهذه فتنة ليس لها انفراج إلا بعيسي ومجيئه، وهذا
آخر الزمان، فما الذي دفعكم إلى القول بذلك؟ ألم يعاني المسلمون فتنا أكثر في
عددها وأشد في أحداثها من فتننا التي نعيشها؟ ألم يخرج الخوارج على الأئمة
والأمراء؟ ألم يتقاتل المسلمون فيما بينهم؟ ألم يقتل آل بيت رسول الله صلي الله
عليه وسلم، حتى علت الأرض من دمائهم؟ فتنة القرامطة ما تقولون عنها؟ الكعبة هدمت
بأمر من الحجاج، وحرقت بالمنجنيق، فأين ذاك مما نشهده؟ بغداد هدمها التتار، وقتل
علماءها وخرّب محصول عدة قرون من التراث، والأندلس انقسم فيها المسلمون، وتقاتلوا،
وآل أمرهم إلى محاكم التفتيش، والخلافة العثمانية أزيلت، بعد أن بلغت ما بلغت، كل
هذه فتن كقطع الليل المظلم، لم تدفع أسلافنا للانهزام والقول بمنكر من القول، بل
اندفعوا فيها، وطرقوا كل الأبواب، وسلكوا كل السبل، حتي وجدوا منها المخرج
وما لا يعلمه كثيرون أن كل هذه الفتن السابقة،
إذا قارناها بما نشهده الآن، بعد النظر بعين الاعتبار للبون الشاسع بين ذاك الزمن وزماننا
هذا، وقوتنا تلك وقوتنا هذه، وعددنا آنذاك وعددنا الحين، وجدنا أنها متقاربة، من حيث
خوف المسلمين فيها منها، ومن حيث الخسارة البشرية والمادية. فلم لا يختفي أسلافنا خلف
ما اختفينا خلفه؟ وقد يقول قائل إن أسلافنا كانوا في القرون الأولى، وكان الأمر متداركاً،
أو أنهم كانوا كذا....... وذاك بهتان، فنبينا الذي بعث إلينا هو نبي آخر الزمان،
"وآخر الزمان" تعني أن جميع أمة هذا النبي، بسلفها وخلفها، داخلة فيها، فجميع
الاحتمالات المطروحة للخلف كانت مطروحة للسلف.
والسلف ، على الرغم من كل تلك الخطوب وتنوعها
وتفاوتها، لم يحدث أن قال أحد منهم بالتقاعس عن العمل لحلها ، بل انبروا لها وظهر فيها
معدنهم النفيس، فعلي قاتل الخوارج. وبذلك حافظ المسلمون على قوتهم التي تجابه كل قوة
ولا تجابَه، إنها القوة النفسية، وقوة النظرة الإيجابية للحياة التي تقتضي أن تزرع
حتى، ولو كان إيجاد الثمر استحال، تلك القوة التي زرعها رسولنا صلي الله عليه وسلم
بقوله: "إن قامت الساعة، وبيد أحدكم فسيلة فليغرسها".
أما الخلف فلا هم بالجبن الصريح تذرعوا،
وإنما هموا أن يجعلوا الفرار يوم الزحف من صميم الدين، مستدلين على ذلك بأدلة مفندة
أصلا وفندت أعلاه.
وطالما أن الفتن التي عاشها السلف مثل أو
أشد من التي نعيشها، نحن الخلف، وطالما الحجج التي نتحجج نحن بها، كان بالإمكان قولهم
بها ولم يقولوا؛ فإن المسألة إذاً تعني أننا اخترنا سفها واختاروا رشدا، وعملنا خطأً،
وعملوا صوابا، وعلينا الاقتداء بهم فيما اختاروا، والتأسي بهم فيما عملوا، فتلك النجاة !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق