وقعت عيناي على منشور اليوم بفيسبوك،
يذكّر بحياة الداعية الشيخ عبد الرحمن ولد إديقبي رحمه الله، ويعدد خصاله، ومن
يستطيع جمع خصال الرجل في منشور؟!.
فتذكّرته وتذكرت قرية #الفرات التي
عرفته داعيا على منبر مسجدها وفي دورِها، موجّها وناصحا وواعظا بأسلوب رائق مع
أخلاق عالية وسمت وقور..
عرفت الراحل إحدى سنتي 2008 - 2007،
كغيري من شباب القرية، حين كنا نعلم بقدومه عندما تعلن له محاضرة للنساء اللواتي
كنّ يحضرن دروسه ومحاضراته في منزل عُرف أهله باستقبال الدّعاة واحتضان حلق الذكر،
أو حين نحضر محاضرة له بمسجد القرية العتيق؛ غالبا ما تكون بعد العصر أو المغرب
حين يقف أمام المصلين واعظا وقارئا للقرآن وباثّا للعلم والوعظ في قلوب الرجال، مع
وقفات فكر تحصّن العقل وتوسع مداركه.
وإن كنت أنسى لا أنسى موقفين حضرتهما
يخصّان الرجل تعرض لهما في القرية بكل - أسف -، وعندما أسمع عنه أو تقع عيني على
صورة له أتذكرهما بحسرة وألم، واحدة منهما وقعت وهو حاضر، والأخرى حضرتها وغاب
عنها، وأجملهما في:
- الأولى - حصلت عند ما كان يقدم إحدى
محاضراته في المسجد، وبعد أن قدمه أحد الشيوخ الأجلاّء للمصلّين وبدأ ينثر ددر
العلم والوعظ، مسترسلا بأسلوب يئنب القلوب، ويجلب السامع، دخل شابان من باب المسجد
ونطق أحدهما بكلام يؤذي الراحل، قصد به التشويش على المحاضرة؛ مما جعل الداعية
يضطر لوقف محاضرته لدقائق، حتى خرجا من الباب المقابل للذي دخلا منه، فاستشاط
الشيخ الذي قدّمه من قبلُ غضباً، وهو الذي يغضب للحق وينكر المنكر وينصَح حين
يحتاج الناس لذلك، فلم يتكلم الراحل حتى انتهت الضّجة فابتسم وواصل حديثه من حيث
توقف..
- الثانية - حدثت حين كان أحد شباب
القرية المغرورين بخطاب كان قد انتشر فيها قبل ذلك بسنوات، ممن لم يبلغ من العلم
ما بلغه الرّاحل، وأنّى له ذلك !
"يحاضر" للنساء في أحد
المنازل، وقُدّرَ لي حضور جزء من تلك المحاضرة ليس إعجابا بالشاب المغرور، وإنما
"اكليعْ لِغبَ" مما ألاحظ أو أشاهد في تلك الأيام. وبعد دقائق من
الإنصات لكلام الشاب الذي يفتقد مستوى من 'التركيز' وهو الذي يصاب بنوبة جنون من
حين لآخر - نعوذ بالله - فإذا به يحذّر النساء الحاضرات للقائه من الحضور لدروس
ومحاضرات الرّاحل رحمة الله عليه، ولم يطل الوقت حتى كفّر "المغرور"
الرّاحل بدعوى أنه من أهل "السياسة والديمقراطية" وهو
"الموجب" الذي كان يكفّر به بعض الناس في تلك -الفترة- مع نقاط أخرى
يكفّر بها آخرون.
في تلك اللحظة لم أخف على الراحل لأنه
يبلغ بهذا درجات، ولم يلفت انتباهي بدرجة كبيرة كلام "المغرور" وأنا
الذي أعرفه من زمان حينما مرّ علينا في ليلة شتوية مقمِرة ونحن صِبية نقرأ القرآن
أمام منزل جدّي بين المغرب والعشاء، فانهال علينا بالضّرب حين كان يعاني نوبة
جنونٍ شفاه الله وهداه.
لكن شعرت بالخوف الشديد بعد ذلك من
تأثير كلام الشباب المغرور على النساء اللواتي يحتمل أن بعضهن لم يسمع عن الشيخ
الراحل من قبل ولم يحضر محاضراته، وهو ما تأكد لي بكل -أسف- بعد ذلك حين أُعلن عن
محاضرة له، فلاحظت إعراض إحدى فتياة الحيّ عن حضورها، فأدركت أن السرّ في ذلك
الإعراض راجع لحضورها واحدة من هفوات "المغرور" وتوجيهاته غير الموفّقة،
ولم تحضر من قبلُ دروس الشيخ الراحل رحمه الله...!!
أما الآن فلا أملك سوى إنشاد بيتين من قصيدة رائعة رثاك بها الشاعر
محمد يحيى حمدن، حين قال :
فنم أيا عابد الرحمن مغتبطا ... قرير
عين بقبر كله عطر
فقد بذرت لشعبي ما سيحصده ... ولن يزال
به في الدهر ينتصر.
بقلم : عبدالله ولد ابّاي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق