مشاركة مميزة

ورقة مختصرة عن القرية

الجمعة، 20 مايو 2016

المتعلمون ومجتمعاتهم ..

 الأستاذ : سيدي محمد انديه

تعيش المجتمعات ظروفا خاصة بها ، ولكل مجتمع خصوصية تخصه عن غيره نتيجة الطريقة التي اجتمع وتحضر بها ؛ فالمجتمع الذي لا تربطه إلا علاقة المجاورة فقط مثل مجتمعات المدن الحديثة يختلف عن المجتمع الذي تأسس أصلا على أساس القرابة وصلة الرحم وحب القرب من الأهل وبني العم ، وهذا المعيار الأخير للتجمع - وهو التقري على أساس وشائج القربى- من أكثر المعايير التي عرفها التاريخ للتجمعات البشرية ؛
فلا تكاد تجد قبيلة إلا واتخذت لنفسها مكانا يجمع شملها ، ويوحد كلمتها ومن خلاله تواجه عدوها وتربي أجيالها على حمل راية عزها ومجدها لتواصل المسيرة ، وتقوم بدور الآباء في النهوض بالمصالح العامة حسب المستوى العلمي والثقافي والاقتصادي للقبيلة.
وقريتنا الحبيبة  " الفرات " من القرى التي تأسست على هذا الأساس وتحقق لها تقريبا ما كانت تصبو إليه من شعور أهلها بمتعة المقام بين الأصدقاء والأرحام .
إلا أن هذه المتعة عرضة للزوال أو النقصان ببعض المكدرات التي تحد من تحقيق أهداف المجتمع من تجمعه وتَقَرِّيه ، وأهم ما يعرقل هذه الأهداف هو التصرفات الصادرة من أشخاص ناقصين وعيا وثقافة وخُلُقا.
هنا تبرز أهمية الجيل المتعلم ، الجيلِ الواعي الذي ينظر للأمام ولا يلتفت لأحداث يستحيل رد الزمن للرجوع عنها ، جيلٍ يترفع عن الاستماع لكلام الغوغاء والسفلة الذين لا يخلو منهم مجمع ، لكنهم لا يؤثرون في مجتمع تسوده الطبقة الواعية وتسوسه ، ولا مجتمع يريد أهله حياة نموذجية تتكامل فيها عناصر الاستمرار وعوامل البقاء.
صناعةُ هذا الجيل هي أكبر مكسب تكتسبه القبيلة من أجل استمرار وجودها وجودا مؤثرا ، من أجل استمرار وازدياد تقدمها وقوتها ومشاركتها في مختلف مناحي الحياة.
وبدون هذه الطبقة تصبح القبيلة لا في العير ولا في النفير:
وإنّك لو رأيت عبيد تيم ... وتيما قلت أيّهمُ العبيد
ويُقضَى الأمر حين تغيب تيم ... ولا يستأذنون وهم شهود
القبيلة كيان مصغر للدولة فكما لا تستغني الدولة عن كوادر في كل تخصص ، كذلك القبيلة لا تستغني عن طبقة متعلمة تعليما أصليا وعصريا ، وفي مختلف التخصصات ، وليست الفائدة هنا هو حصول هذا المتعلم على امتيازات ذاتية فحسب ، بل الفائدة الأهم هي كون هذا المتعلم وأمثاله ممن يستمر بهم تلاحم المجتمع واتحاده ومواجهته لمصاعب الحياة ؛ لذلك لا توجد خدمة تقدم للمجتمع أفضل من صناعة نماذج رائدة تصلح بها القبيلة ، وتكوين أجيال بهذه المواصفات وإيجاد هذا الجيل سهل غير أنه يتطلب بعض الجهود ينبغي بذلها في هذا الصدد ؛ منها مثلا الصبر على مواصلة الدراسة ؛ نظاميةً كانت أو محظريةً ، ومنها بذل الجهد في الإخوة وأمثالهم من الأقارب الصغار الذين لا يدركون أهمية تحصيل العلوم بأنواعها ولن يصبروا عليها ما لم يجبروا عليها جبرا ويقهروا عليها قهرا بمختلف أنواع هذا القهر وأساليبه كالتشجيع والعقاب والمكافأة...الخ لا سيما في هذا الزمن الذي كثرت فيه المثبطات عن معالي الأمور وأصبح الصبر عليها صعبا على الكبير فكيف بالحدث غير المجرب؟
وفي الحديث الذي أخرجه الطبراني والحاكم عن عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ وَيُحِبُّ مَعَالِيَ الْأَخْلَاقِ وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا» أي حقيرها ورديئها
وقال ابن هانئ الأندلسي:
ولم أجد الإنسان إلا ابن سعيه ... فمن كان أسعى كان بالمجد أجدرا
وبالهمة العلياء يرقى إلى العلا ... فمن كان أرقى همة كان أظهرا
ولم يتأخر من يريد تقدما ... ولم يتقدم من يريد تأخرا
وقال المتنبي:
وإذا كانت النفوس كبارا ... تعبت في مرادها الأجسام
فأمة تنشغل بسفاسف الأمور وتوافهها لا يمكنها مواجهة الحياة العصرية المليئة بالتحديات والمشكلات ، ولا ينشغل بغير المهم إلا الفارغ الذي لا هدف له.
وَفِي حَدِيث ابن مسعود - وينسب لعمر- رضي الله عنه: إِنِّي لأكْره أَن أرَى أحدكُم فَارغًا سَبَهْلَلا لَا فِي أَمر دنيا وَلَا فِي أَمر آخِرَة .
وفي الختام أقول باختصار شديد: لا بد من صنع أجيال قادرين على مواصلة حمل الراية بجدارة واقتدار ، خلفا لمن كانوا في السابق يرفعونها عالية رغم محدودية الإمكانيات وقلة الوسائل .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق