مشاركة مميزة

ورقة مختصرة عن القرية

الاثنين، 20 فبراير 2017

عبد الله بن محمد سيديَّ .. أول مهندس زراعي في موريتانيا

عبد الله بن محمد سيديَّ بن محمد المصطفى، ولد في عام 1936 بأبي تلميت سليل أسرة معرفة وتقى وورع؛ فجده الولي محمد المصطفى ولد بَبَكَّر كما يلقبه الشيخ سيديَّ الكبير، بدأ دراسته كأبناء أترابه بالعلوم الدينية؛ فحفظ القرآن ونهل من مقدمات العلوم الشرعية واللغة العربية؛ مما كان عاملا أساسيا في توجيه سلوكه في المراحل الدراسية اللاحقة.
وبعد ذلك التحق بمدارس المستعمر التي تابع مختلف مراحلها ووصية والده الشيخ محمد سيديَّ لم تغادر خاطره: "ادرسها ولكن إياك وأن تعتقد أنها الحقيقة المحضة".
هكذا غدا إلى تلك الهيجاء مدجَّجا بأسلحة المعارف الدينية ودروع التنشئة الصالحة؛ مما جعله بإذن الله ينجو من تلك اللجج التي خاضها ويرسو على برها سالما غانما.

التحق صاحبنا رحمه الله بمدارس المستعمر فدرس في الابتدائية بأبي تلميت، وبعدها في إعدادية فِيدِرْب في سان لوي السنغال؛ ليلتحق بعد ذلك بالأقسام التحضيرية للمدارس الكبرى في ثانوية بيير دي فيرما بتولوز فرنسا، ومن ثَم بالمدرسة الوطنية للزراعة بكلية العلوم في مونبلييه فرنسا.
وقد توَّج دراسته بمجموعة من الشهادات التي حازها خلال مسيرته التعليمية، وهي كالتالي:
- باكالوريا شعبة الكلاسيك بميزة ممتاز.
- باكالوريا شعبة العلوم التجريبية بميزة ممتاز كذلك.
- شهادة الليصانص في الجيولوجيا العامة.
- شهادة الليصانص في الجيولوجيا التاريخية.
- دبلوم مهندس زراعي.
- كما قام بعدة تدريبات تخصص بمعهد المستعمرات الفرنسية للفواكه والحمضيات IFAC.
- تدريبات تخصص بمعهد البحث الزراعي المداري IRAT بالسنغال.
- تدريبات تخصص في علم التربية وكيمياء السطوح.
- عدة تدريبات ميدانية ودورات تدريبية في كل من دول إفريقيا الغربية والمغرب والجزائر والحبشة وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا وغيرها.
النشاطات والتجارب المهنية
- باحث إيكولوجي في منظمة مكافحة الجراد والطيور الضارة OCLALAV مديرا عاما للمنظمة المشتركة لمكافحة الجراد والطيور الضارة OCLALAV، والتي كانت تضم عدة دول إفريقية بالتعاون مع فرنسا.
- مدير مكتب دراسات بنواكشوط.
كما كانت تلجأ إليه الدولة كلما ادلهمت الأوضاع وعز المخلص في كثير الأحيان للقيام ببعض المهام، من ذلك إعداده للخرائط الجغرافية الصحراوية والتي على أساسها ستفاوض الدولة عن حقها في الصحراء الغربية، كما أنه مثل الدولة في كثير من الأحيان كاستقبال الوفود والبعثات وخاصة ما يتعلق منها بمشاكل بيئية، وقد مثل كذلك مرجعا للباحثين في القضايا الجغرافية التاريخية، وقد كان العلامة المختار بن حامد رحمه الله يستشيره في القضايا الجغرافية ويطلب منه إعداد بعض الخرائط.
مواقف خالدة
كان بإمكان الرجل من خلال دراسته وخبرته النوعية أن ينال - من الحظوظ في المناصب- أكثر مما وجد وطنيا ودوليا، فقد كانت مبادئه حاجزا بينه وبين التغلغل في أروقة إدارات تعاني من جشع القائمين عليها، ولا أدل على ذلك من موقفه المشرِّف ضد الأعضاء الأفارقة في المنظمة المشتركة لمكافحة الجراد والطيور الضارة OCLALAV.
في المنظمة المشتركة حيث منعهم من صرف الهبات الفرنسية في غير ما خصصت له من محاربة الجراد والطيور الضارة، وكان رد وزراء خارجية هذه الدول مخيبا لأمله عندما تجسد في قولهم (جميل ما قمت به) لكنك كنت مجدا أكثر من اللازم مما حدا به إلى الاستقالة ولسان حاله يردد:
وفي الحلم والإسلام للمرء وازع
وفي ترك طاعات الفؤادي المتيم
بصائر رشد للفتى مستبينة
وأخلاق صدق علمها بالتعلم
ومن مواقفه كذلك أنه وقف بجانب وزير الدفاع السابق محمد بن الشيخ بن أحمد محمود في محنته المتمثلة في تجريده من منصبه عقب أحداث 1966، هكذا كان عبد الله بن محمد سيديَّ صاحب مواقف ومبادئ وكيف لا؟ وقد شربت مشاشة مخه من آيات الذكر الحكيم الذي طال ما صاحَبه في كل أسفاره وتخلق بأخلاقه وائتمر بأوامره وانتهى عن نواهيه.
كان رحمه الله كذلك يؤمن بأهمية الوقت، ومن ذلك موقفه من الشاي؛ فكان يعده إعدادا خاصا، وسبب ذلك أنه عندما كان حاجا وكان يوم الحج الأكبر وجد بقية الرفقة مجتمعين ينتظرون الكأس الثاني والثالث ودقائق فساعات يوم عرفة الثمينة تمر متسارعة، فآلى على نفسه بعد ذلك أن لا يصنع الشاي بالطريقة التفاوتية التقليدية، فكان يصنع كأسا واحدا كبيرا مكان الثلاثة.
كان رحمه الله صاحب مشاريع خيرية؛ فكان ذا أياد ممتدة للفقراء الذين كان منزله بين منازلهم يقتسم معهم حَلَبَه ونفقته، وكان متطوعا في ورشات التنمية والإنعاش في موريتانيا، وقد ترأس مشروع إعداد طريق بتلميت - انوكشوط عام 1964، الذي تم توقيفه فيما بعد، كما كان متطوعا في برنامج وطني مستعجل لصالح السكان المتأثرين من الجفاف 1973 كمستشار للوزير المسؤول، وكان صاحب فكرة إنشاء المكتب الوطني للحبوب الذي سيتحول فيما بعد إلى مفوضية الأمن الغذائي، كما كان رحمه الله قيما على حنفية أهل جدو التي كانت نقطة المياه الوحيدة في منطقة غرب أبي تلميت حتى حوالي 1998، كانت عامرة بجهوده إلى حين وفاته؛ حيث وصفها بعض الجيران لما شاهد الخراب الذي قد استحالت إليه أنها قد تيتَّمت، وكانت هذه الحنفية موردا للبشر والحيوانات وحتى الطيور التي طالما خد بيديه لها الأخاديد كي يسيل معها الماء إلى ظلال الأشجار، وكان السقي فيها مجانا سقت رحمات الله جدثا قد ثوى فيه، هكذا كانت أخلاقه رحمه الله.
وقد كان رحمه الله من منتسبي حركة التحالف من أجل موريتانيا ديموقراطية، وكان في ذراعها السلمي، ولم يشفع له ذلك؛ فقد لجأ خارج الوطن بسبب المضايقات التي تعرضت لها الحركة المذكورة ليستقر به المقام بالسنغال، التي مارس فيها نشاطات تجارية إلى حين انقلاب 1984؛ حيث عاد بعد ذلك إلى الوطن، وقد انخرط فيما بعد في العملية الديموقراطية، إلا أن ممارسته السياسية لم تكن بمستوى يذكر، ذلك لأن انخراطه كان تشوبه بعض العاطفية لبعض المنخرطين آنذاك، وقد تم ترشيحه في عام 1994 لمنصب عمدة أبي تلميت، ولم يكن النجاح حليفه، ويرجع السبب في ذلك إلى تحكم الممارسات السائدة آنذاك من غش ومحسوبية وتزوير.
كان مؤمنا مسالما أمينا زاهدا منفقا خائفا من ربه، كان كثير الصمت ليس بالمهذار لا يتكلم في المجلس إلا حين يسأل، وكان جلسائه ينتظرون كلامه بتلهف العطشان للماء البارد، وذلك لما يحويه من الفوائد الجمة، فقد شهد له القاصي والداني بأنه كان محمود الخصال طيب الشمائل؛ فقد لقبله بعضهم بمؤمن أهل المدارس، وكان العلامة الشيخ عبد الله ولد داداه رحمه الله رغم مناهضته للمدارس ومنتسبيها يعترف له بالفضل، (فكان يقول: جِدُوا لي غير عبد الله بن محمد سيديَّ لم تلوثه المدارس)، هكذا كان دأبه حتى وفاته في يناير 2004 رحمه الله ليوارى التراب في مقبرة البعلاتية في أبي تلميت.
وقد رثاه بعض الأجلاء منهم العلامة القاضي محمد بن محمذن فال رحمه الله 07/01/2004م؛ حيث قال:
أُعَزِّي الْحَقَّ حَقّاً فِي ذَوِيهِ
وَمَا إِنْ مِثْلُ عَبْدِ اللَّهِ فِيهِ
إِذَا الْعَقَبَاتُ حَالَتْ دُونَ حَقٍّ
يُذَلِّلُهَا بِفِعْلٍ أَوْ بِفِيهِ
بِعَزْمٍ لاَ يُزَحْزِحُهُ تَعَامٍ
مِنَ الْقَالِيـنَ لِلرَّجُلِ النَّبِيهِ
وَفِكْرٍ فِي الْمَصَالِحِ قَدْ تَسَامَى
وَلَكِنْ فِي تَوَاضُعِ مَنْ يَخِيه
وَكَمْ نَالَ الأَبَاعِدُ مِنْهُ عَوْناً
يُضَاعِفُ مِنْهُ بَادٍ مُخْتَفِيهِ
وَأَمَّا مَا الأَقَارِبُ مِنْهُ نَالَتْ
فَلاَ يُحْصِيهِ مُحْصٍ يَقْتَرِيهِ
وَلَكِنَّ النُّفُوسَ بِهَا كَثِيـراً
طِبَاعٌ قَدْ تُغطِّي مَا تَعِيهِ
وَكَمْ قَدْ قَرَّ فِي بَعْضٍ فَيُضْفِي
عَلَى الْمَعْرُوفِ ذِكْراً قَدْ يَشِيهِ
يُرِيدُ النَّفْعَ لِلأَحْيَاءِ طُرّاً
وَلَوْ كَانَتْ طُيُوراً تَعْتَرِيهِ
بِلاَ مَيْزٍ يُرَاعَى عُنصُرِيٍّ
وَلاَ جِهَوِيٍّ اَيْنَ يَرَى ذَوِيهِ
أَبُوهُ مُحَمَّدٌ قَدْ سَادَ مِمَّا
يَرَاهُ أَتَى وَمَا قَدْ يَتَّقِيهِ
وَعَى مِنْهُ النَّصَائِحَ وَالْوَصَايَا
فَطَبَّقَ مَا يَعِيهِﮮ مِنْ أَبِيهِ
فَلاَ زَالَتْ بَنُوهُ عَلَى خُطَاهُ
تُجَدِّدُهَا بِمَا قَدْ تَنتَقِيهِ
عَلَى هَدْيِ الرَّسُولِ وَمَنْ قَفَاهُ
رَسُولِ اللَّهِ مُنْعَدِمِ الشَّبِيهِ
عَلَيْهِﮮ مِنْ صَلاَةِ اللَّهِ جَمٌّ
وَمِنْ تَسْلِيمِهِ مَا يَرْتَضِيهِ))

إعداد: الدهاب بن عبد الودود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق